إنَّ من أحوال الموجود بما هو موجود التقدم و التأخر، و مما یذكر هاهنا إنّ من التقدم
مایكون بالمرتبة، و منه بالطبع، و منه بالشرف، و منه بالزمان، و منه بالذات و العلیة، و
هاهنا قسمان آخران سنذكرهما.
أما الذی بالمرتبة فكلما كان أقرب من المبدء الموجود أو المفروض فهو مقدم كما
یقال إنَّ بغداد قبل كوفة. و هذا علی ضربین منه ما هو ترتیبه بالطبع و إن لم یكن تقدمه
بالطبع، و منه ما هو بالاعتبار و الوضع و هو الذی یوجد فی الأحیاز و الأمكنة؛ فالأول
كتقدم الجسم علی الحیوان و الحیوان علی الإنسان، و الثانی كتقدم الصّف الذی یلی
الإمام علی الذی یلیه إذا كان المحراب مبدء. و یصح فی التقدم بالرتبة أن ینقلب المتقدم
متأخراً و المتأخر متقدماً. مثال ذلك إن جعلت الإنسان أولاً، فكل ما كان أقرب إلیه
كان أقدم، و علی هذا یكون الإنسان أقدم من الجسم بل أقدم من الجوهر، و كذا فی المثال
الأول یتقدّم المأموم علی الإمام بالنسبة إلی الأخذ من الباب إلی المحراب. و الطبیعی من
هذا التقدم یوجد فی كل ترتیب فی سلاسل بحسب طبائعها لابحسب الأوضاع كالعلل و
المعلولات و الصفات و الموصوفات كالأجناس المترتبة. فإنك إذا أخذت من المعلول
الأدنی انتهیت فی الآخر إلی العلة الأعلی، و إذا اخذت فی النزول وجدت الأعلی أول، و
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 982
هكذا حكم التعاكس فی جنس الأجناس و نوع الأنواع و غیر ذلك، و علی هذه
السلاسل یبتنی برهان النهایة عند القوم إذا اجتمعت آحادها.
و أما الذی بالطبع فكتقدم الواحد علی الإثنین و الخطوط علی المثلث مما یرتفع
برفعه المتأخّر و لایرتفع هو برفع المتأخر، و الاعتبار فی هذا التقدم هو ما فی إمكان
الوجود لا فی وجوبه.
و أما الذی بالعلیة و هو أن یكون وجود المتقدم علّة لوجود المتأخر فكما أنه یتقدم
علیه بالوجود فكذلك بالوجوب لأنه سبب للمتأخر.
و أما الذی بالشرف و الفضل فكما یقال إنَّ محمّداً صلی الله علیه و آله مقدم علی سائر
الأنبیاء علیهم السلام.
و أما الذی بالزمان فهو معروف و لاینافی هذا كون الجزء المقدم من الزمان متقدماً
علی جزئه اللاحق بالطبع، فإنَّ التقدم الزمانی یقتضی أن لایجامع المتقدم المتأخر بخلاف
ما فی الطبع حیث لایأبی اجتماع المتقدم للمتأخر. و من ذهب إلی أنَّ أثر الجاعل نفس
ماهیة الأمر المجعول لاوجوده، و كذا المؤثر هو ماهیة الجاعل لاوجوده، یلزمه أن یثبت
قسماً آخر من التقدم هو التقدم بالماهیة، و كذا من جعل ماهیة الممكن مقدماً علی
وجوده لا باعتبار نحو من الوجود بل باعتبار نفس الماهیة.
و أما التقدمان اللذان أشرنا إلیهما فأحدهما هو التقدم بالحقیقة كتقدم الوجود علی
الماهیة الموجودة به، فإنَّ الوجود هو الأصل عندنا فی الموجودیة و التحقق و الماهیة
موجودة به بالعرض و بالقصد الثانی. و كذا الحال بین كل شیئین اتصفا بشی ء كالحركة
أو الوضع أو الكم و كان أحدهما متصفاً به بالذات و الآخر بالعرض فلأحدهما تقدم
علی الآخر. و هذا ضرب آخر من التقدم غیرما بالشرف لأنَّ المتأخر بالشرف و الفضل
لابدَّ و أن یوجد فیه شی ء من ذلك الفضل، و غیر ما بالطبع و العلیة أیضاً لأنَّ المتأخر
فی كلِّ منهما یتصف بشی ء مما یوصف به المتقدم علیه بخلاف هذا المتأخر، و ظاهر أنه
غیر ما بالزمان و ما بالرتبة.
فإن قلت: لابدّ أن یكون ملاك التقدم و التأخر فی كل قسم من أقسامهما موجوداً
فی كل واحد من المتقدم و المتأخر، فما الذی هو ملاك التقدم فیما ذكرته.
قلت: مطلق الثبوت و الكون سواءٌ كان بالحقیقة أو بالمجاز.
و ثانیهما هو التقدم بالحق و التأخر به. و هذا ضرب غامض من أقسام التقدم و
التأخر لایعرفه إلّاالعارفون الراسخون: فإنَّ للحق تعالی عندهم مقامات فی الإلهیة كما
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 983
أنَّ له شؤوناً ذاتیة أیضاً لاینثلم بها أحدیته الخاصة، و بالجملة وجود كل علة موجبة
یتقدم علی وجود معلولها الذاتی هذا النحو من التقدم، إذا الحكماء عرّفوا العلة الفاعلة بما
یؤثر فی شی ء مغایر للفاعل فتقدم ذات الفاعل علی ذات المعلول تقدم بالعلیة، و أمّا
تقدم الوجود علی الوجود فهو تقدم آخر غیر ما بالعلیة إذ لیس بینهما تأثیر و تأثر و لا
فاعلیة و لا مفعولیة بل حكمها حكم شی ء واحد له شئون و أطوار و له تطور من طور
إلی طور. و ملاك التقدم فی هذا القسم هو الشأن الإلهی.
و إذا عرفت معنی التقدم فی كل قسم عرفت ما بإزائه من التأخر و عرفت المعیة
الّتی بإزائهما بحسب المفهوم.
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 984