لمّا تكلمنا فی ما هی كأحوال الحركة، فلنتكلم فی ما هی كأنواعها. أما الحركة بالذات
فتنقسم إلی طبیعیة و إرادیة و قسریة. و أما مطلق الحركة فهی أربعة: أقسام الثلاثة
المذكورة و التی بالعرض و إن لم یخرج العرضیة من الأقسام الثلاثة. فنقول: كلّ ما
یوصف بالحركة فإمّا أن تكون الحركة موجودة فیها أو لا، بل فیما یقترنه. فالثانی یسمی
حركته بالعرض. و الأوّل إمّا أن یكون سبب حركته موجوداً فیه أو خارجاً عنه. فإن
خرج فالحركة قسریّة. و الذی لیس بخارج فإمّا أن یكون ذا شعور فالحركة نفسانیّة،
وإلّا فطبیعیة.
و قد أشكل علیهم الأمر فی بعض الحركات أنّها من أیّ قسم من هذه الأقسام،
لاسیما النبض فقد ذكر اختلاف الناس فی أنّها طبیعیة أو إرادیة، و علی التقدیرین فأینیة
أو وضعیة أو كمیة، و لكلّ من الفرق تمسكات مذكورة فی كتب الطب سیما فی شروح
الكلیّات لكتاب
القانون.
و قال بعض العلماء: أمّا حركة النَفَس فإرادیة باعتبار و طبیعیة باعتبار؛ فهی
تتعلّق بالإرادة من حیث وقوع كلّ نفس فی زمان یتمكن المتنفس من تقدیمه علیه و
تأخیره عنه بحسب إرادته، لكنّها لا تتعلّق بالإرادة من حیث الاحتیاج الضروریّ
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 945
إلیها. و هذا معنی ما قال صاحب
القانون: «إنّ حركة التنفس إرادیّة یمكن أن یغیر عن
مجراها الطبیعی» . و الاعتراض علیه بأنّه لا إرادة للنائم فیلزم أن لایتنفس، لیس بشی ء؛
لأنّ النائم یفعل الحركات الإرادیة لكن لایشعر بأنها إرادیة و لایتذكر بشعور. و أمّا
حركة النمو فظاهر أنّها طبیعیة إذ طبیعة النامی تقتضی الزیادة فی الإفطار عند ورود
الغذاء و نفوذه فیما بین الأجزاء. و كذا النبض عند المحققین فإنّها لیست بحسب القصد و
الإرادة و لا بحسب قاسر من خارج، بل بما فی القلب من القوّة الحیوانیّة. و [مال ]
الجمهور إلی أنها مكانیّة و قیل بل وضعیّة و قیل بل كمّیة.
فإن قیل: الحركة الطبیعیة لاتكون إلّاإلی جهة واحدة بل لا تكون إلّاصاعدة أو
هابطة علی ماصرّحوا به.
قلنا: هی إنّما تكون كذلك فی البسائط العنصریة و أمّا فی غیرها كالطبیعة النباتیة و
الحیوانیة فقد تفعل حركات إلی جهات و غایات مختلفة، و طبیعة القلب و الشرائین من
شأنها إحداث حركة فیها من المركز إلی المحیط و هی الإنبساط و اُخری من المحیط إلی
المركز و هی الانقباض، لكن لیس الغرض من الانبساط تحصیل المحیط لیلزم الوقوف و
لا من الانقباض تحصیل المركز، بل دفع الهواء المفسد لمزاجه، و الاحتیاج إلی هذین ممّا
یتعاقب لحظة فلحظة فیتعاقبه الآثار المتضادة عن القوّة الواحدة.
أقول: الأولی تخمیس الأقسام فی الحركة؛ فانّ هاهنا قسماً آخر من الحركة بالحری
أن یسمّی تسخیریة و هی التی مبدأها النفس باستخدام الطبیعة استخداماً بالذات لا
بالقصد الزائد. و لأجل إضافة هذا القسم إمّا أن یجعل الطبیعیة قسمین: ما یكون
بالاستخدام أو لذاتها، و إمّا أن یجعل النفسانیّة قسمین: ما یكون بالإرادة الزائدة أو
باستخدام الطبیعة. و من هذا القسم ما ینسب إلی طبیعة الفلك من الحركة المستدیرة
فإنّها تفعل باستخدام النفس إیّاها.
و قد اشتهر من قدماء الحكماء أنّ الفلك له طبیعة خامسة، و حیث لم یتیسر
للمتأخّرین نیل مرامهم، ذكروا فی تأویله وجهین:
أحدهما: أنّ حركات الأفلاك و إن لم تكن طبیعیة لكنّها لیست مخالفة لمقتضی
طبیعة اُخری لتلك الأجسام، لأنّه لیس مبدأها أمراً غریبا عن الجسم فكأنه طبیعة.
و ثانیهما: أنّ كلّ قوّة فهی إنّما تحرّك بواسطة المیل علی ماعرفت؛ فمحرّك الحركة
الاُولی لایزال یحدث فی ذلك الجسم میلا بعد میل و ذلك المیل لایمتنع أن یسمّی طبیعة
لأنّه لیس بنفس و لا إرادة و لا أمر حصل من خارج، و لایمكنه أن لایحرك أو یحرك
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 946
إلی غیر تلك الجهة، و لا أیضاً مضاد لمقتضی طبیعة لذلك الجسم. فإن سمّیت هذا
طبیعة كان لك أن تقول: إنّ الفلك یتحرّك بالطبیعة. و علی هذا قال بطلمیوس: إنّ
المختار إذا طلب الأفضل و لزمه لم یكن بینه و بین الطبیعی فرق.
أقول: حركات الأفلاك كما أشرنا إلیه طبیعیة و لها طبائع متجددة مباشرة
للحركات الاستداری، و لیست طبائعها مباینة لنفوسها و عقولها، و موضع تحقیق
الكلام فیها غیر هذا الموضع.
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 947