احتج المتقدمون علی أنّ بین كل حركتین مختلفتین سكوناً بحجج أربع:
الاُولی: أنّ الشی ء لایصیر مماسّاً لحدّ معین و مبایناً له إلّافی آنین، و بین الآنین
زمان لاستحالة التتالی، و ذلك الزمان لاحركة فیه ففیه سكون.
و الجواب أولا بالنقض لإجراء الدلیل فی كل حد مفروض فی المسافة، فیلزم
أن لایوجد حركة متصلة فی العالم.
و ثانیاً بالحل لأنّ المباینة حركة و كل حركة لا توجد إلّافی زمان و لزمانها طرف
لایوجد الحركة فیه هو الآن، فللمباینة طرف لیس الشی ء فیه مبایناً بل هو آخر زمان
المماسة لو كان للمماسة زمان و هو عین آن المماسة لو وقعت فی آن فقط، و لا استحالة فی
أن یوجد فی طرف زمان المباینة خلاف المباینة و هو المماسة.
الحجة الثانیة: لو جاز اتصال الصاعد بالهابط لحدثت منهما حركة واحدة بالاتصال
فیكون الحركتان المتضادتان واحدة هذا محال.
و اُجیب بأنّ وجود الحد المشترك بالفعل بین الخطین یمنع أن یكونا خطّاً واحداً سیّما
إذا كانا متخالفی الجهة كخطین محیطین بزاویة، بل الشرط فی الوحدة الاتصالیة
أن لایكون الحد المشترك موجوداً إلّابالقوة، فكذلك فی الحركتین لایجب وحدتهما
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 940
لوجود الحد المشترك بالفعل.
الثالثة: لو اتصلت الحركتان لكانت غایة التصاعد العود إلی ما تحته فیكون
المهروب عنه مقصوداً من جهة واحدة.
و الجواب أنّ هذا إنما یلزم لو وجب من اتصال الحركتین وحدتهما و بطلان الحد
المشترك بین الصاعد و الهابط، و لیس كذلك فلم یلزم ما قالوه.
الرابعة و هی أیضاً قریبة المأخذ مما سبق: أنه لو أمكن أن یستمر التسوّد إلی
التبیض من غیر أن یقع بینهما زمان كانت القوة علی التسود قوة بعینها علی التبیض،
فالأبیض إذا أخذ فی التسود كانت قوته علی التسود قوة علی التبیض فیلزم أن یكون
الأبیض فیه قوة علی البیاض و كذا الأسود فیه قوة علی السواد و ذلك محال، لأنّ
الشی ء محال أن یكون قوة علی نفسه.
و الجواب أنه عند كونه أبیض لایأخذ فی التسود لأنّ التسود مأخوذ
[1] من طبیعة السواد و ذلك لاتوجد مع البیاض بل توجد بعد البیاض. و لایلزم من قول من یقول
القوة علی التسود بعینها قوة علی التبیض، أن لایكون فی الأبیض قوة علی البیاض ولو
بعیداً، ولو سلمنا أنه حال كونه أبیض یأخذ فی التسود حتی یكون فیه مع
[2] البیاض الحاصل بیاض آخر منتظر الوجود بالقوة.
فهذه الحجج الموروثة من القدماء كلّها ضعیفة، و الحجة البرهانیة هی التی اعتمد
علیها الشیخ الرئیس فی إثبات هذا المرام، و هو أنّ المیل هو العلّة القریبة لتحرك الجسم
من حد إلی آخر فی المسافة، و المحرّك للجسم إلی حدّ لابد أن یكون معه، فالموصل له
إلی ذلك الحد یجب وجوده عند وجود الوصول. فإذاً المیل الذی حرّك المتحرك إلی
حد من حدود المسافة لابد من وجوده فی آن الوصول، و لا امتناع فی ذلك، إذ المیل
لیس كالحركة غیر آنیّ الوجود بالضرورة. ثمّ إذا رجع الجسم من ذلك الحد فلذلك
الرجوع میل آخر هو علة قریبة للرجوع لأنّ المیل الواحد لایكون علّة للوصول إلی
حد معین و للمفارقة عنه و المیل حدوثه فی الآن و لیس آن حدوث المیل الثانی هو الآن
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 941
الذی صار المیل موصلا بالفعل لامتناع أن یحصل فی الجسم الواحد فی الآن الواحد
میلان إلی جهتین مختلفتین. فإذن حدوث المیل الثانی فی غیر الآن الذی صار فیه المیل
الأول موصلا بالفعل و بینهما زمان یكون الجسم فیه ساكناً و هو المطلوب.
أقول: هذه المقدمات كلها صحیحة لكن یجب أن یفهم المراد من المفارقة فی قوله
لأنّ المیل الواحد لا یكون علّة للوصول إلی حد و للمفارقة عنه المفارقة الرجوعیة أو
الانعطافیة، لئلاینتقض البرهان بالوصولات إلی حدود المسافة و المفارقات عنه؛
إذ البرهان مختص بالحركات المختلفة المفتقرة إلی المیول المختلفة، و المیلان المختلفان
لا شبهة فی امتناع اجتماعهما فی آن واحد لموضوع واحد.
و من الاعتراضات الفخریة قوله: إنّ هذا لایتمشی فی الحركات الكمیة و الكیفیة،
فإنّ تلك الحركات غنیة عن المیل و هو مبدأ هذا البرهان.
أقول: هذه كالمؤاخذة اللفظیة، فإن بدّلنا لفظ المیل بما یجری مجراه فی كونه سبباً
قریباً، لابدّ من اختلافه عند اختلاف المسبب عنه، و الرجل العلمی كیف یرضی نفسه
بمثل هذه المؤاخذة.
و منها: أنّه إذا فرضنا كرة مركبة علی دولاب دائر فرض فوقه سطح مستو بحیث
یلقاها عند الصعود، فانها تماس ذلك البسیط فی كل دورة آناً واحداً لا قبله و لا بعده
فی تلك الدورة.
ثمّ أجاب عنه بجواب سخیف لانطوّل الكلام بذكره ثم بالاشتغال ببیان سخافته.
فأقول: ستعلم الجواب عن شبهة الدولاب بما سیأتی فی دفع شبهة الحبة المرمیة.
ثمّ قال: فأما المنكرون لهذا السكون فأقوی ما لهم أنّ الحجر لو وقف بین حركته
الصاعدة و الهابطة فلا شك أنّ طبیعته باقیة عند الصعود؛ فالقوة القاسرة إن كانت أقوی
من الطبیعة فالحركة إلی ما فوق باقیة، و إن كانت أضعف منها فلم یكن لها حركة الصعود
بل الحركة الهبوطیة، و إن تساویتا كان الحجر ساكناً.
فنقول: هذا القدر من القوة الغریبة یجب أن لاتنعدم لذاتها، و إلّالم توجد، فلعدمها
سبب؛ ولو كان سببه مصادمة الهواء المخروق التی جعلت سبباً مضعفاً للمیل الغریب
فذلك إنما یكون فی حال الحركة لا فی حال السكون، فیجب أن لاینعدم ذلك القدر من
المیل الغریب؛ فالحجر یجب أن لایعود إلّابدفع دافع، فإذا بقی ساكناً فذلك السكون
لایكون طبیعیاً، لأنّ الطبیعة معوقة عن فعلها الطبیعی، بل قسریاً فیرجع حاصله إلی أنّ
القاسر أعطی الجسم قوةغریبة یسكنه فی بعض الأحیاز. و هذا هو الّذی جعله الشیخ
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 942
سبباً للسكون فی الزمان الثانی.
و لكن هذا باطل بوجهین: أحدهما أنّ القاسر لو أفاد القوة الغریبة و لم یفد قوة
مسكّنة، لم یجب السكون، و إن یفد فالضدان متلازمان، هذا محال.
و ثانیهما أنّ تلك القوة فی أول ما أفادها القاسر ما كانت مسكّنة ثمّ صارت
مسكّنة. فعدم كونها مسكّنة إما لوجود المانع و هی الطبیعة، فعند مغلوبیتها لم تكن
مانعة، و اما عند تكافؤهما فأی حاجة إلی القوة المسكّنة؟ فوجب أن یبقی ذلك
التساوی و لایصیر الغریبة مغلوبة فلا یرجع الحجر المرمی.
و العجب أنّ الشیخ ذكر فی باب الخلأ «إنه لولا مصادمات الهواء المخروق للقوة
القسریة لوصل الحجر المرمی إلی سطح الفلك» ، و هاهنا ذكر «إنّ القاسر یفید قوة
مسكنة فی بعض الأحیاز» ؛ و الجمع بین هذین مشكل.
أقول: فاعل هذا السكون هو الطبیعة لكن بشرط ضعف القاسر، و علة ضعفه
وجود الطبیعة مع إعداد مصادمة الهواء المخروق الذی وجد قبیل آن الوصول إلی موضع
السكون. ألاتری أنّ ضعف القوة القسریة تزداد علی سبیل التزاید لمصادمة الهواء، و
سبب تزاید الزیادة هو الذی ذكرناه من الإعداد، فكذا الحال فی سبب السكون. و هذا
معنی قول الشیخ إنّ القاسر یفید قوة مسكنة فی بعض الأحیاز؛ یعنی أنّ القوة التی كانت
محركة إلی فوق، عند استیلائها علی الطبیعة صارت عند تكافؤها مع الطبیعة من أسباب
السكون إلی أن یغلب علیها القوة الأصلیة فیفعل الحركة إلی تحت.
و أما الذی أفاده الامام فی الجواب و هو «أنّ هذا السكون واجب الحصول فإنّ
الجسم فی آخر حركته لما امتنع اتصافه بالحركة كان ذلك السكون ضروریاً
فلایستدعی علةكما أنّ سائر اللوازم لایستدعی علة و علی هذا لا یلزمنا بقاء الحجر فی
الفوق، لأنه إذا زالت تلك الضرورة عادت الطبیعة محركة» (انتهی) فركیك جداً من
وجوه:
الأول أنّ السكون من الأعدام التی یحتاج حصولها إلی علة، كیف و لایخلو
السكون من أحد الأمرین: إما وجودی كما هو عند من یجعله عبارة عن الكون فی مكان
أو كمّ أو كیف أو غیره زماناً، و إما لازم لذلك الأمر الوجودی فله علة وجودیة لا محالة
و لا یكفی فیه عدم علة الحركة.
الثانی قوله: «إذا زالت تلك الضرورة عادت الطبیعة» لا معنی له لأنّ الأمر
الضروری الواجب الحصول كیف زال بلا علة.
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 943
الثالث أنّ لوازم الماهیة لیست كما زعمه، فإنها معلولة للماهیة بشرط وجود مّا
خارجیاً كان أو ذهنیاً عند بعض، و معلولة للماهیة من حیث هی عند بعض آخر، و لعلة
الماهیة عند بعض آخر، و الحق عندنا أنها معلولة بالعرض. و علی أی تقدیر لاینفك
حصولها عن حصول علة الماهیة.
و من الإشكالات أنّ السكون زمانی قابل للانقسام بانقسام زمانه فكل مقدار من
السكون یفرض بین الحركتین فیمكن الاكتفاء بأقل من ذلك بینهما، فما سبب التعیین
لزمانه؟
و الجواب أنّ الجسم یختلف حاله باختلاف العظم و الصغر و الكثافة و اللطافة و
الثقل و الخفة و غیر ذلك؛ فهی یجوز كونها أسباباً لمقادیر السكون.
و مما تمسك به نفاة السكون أنّ الحجر العظیم النازل إذا عارضه فی مسلكه حبة
مرمیة إلی فوق حتی یماسه فإن سكنت الحبة عند التماس یستلزم وقوف الجبل الهابط
بملاقاة الحبة الصاعدة.
و اُجیب فی المشهور بأنّ الخردلةترجع بمصادمة ریح الجبل فیسكن قبل ملاقاة
الجبل، ثم لما ورد علیهم «إنا نشاهد أنّ الملاقاة كانت حال الصعود دون الرجوع كما فی
السهم الصاعد بل كما فی حركة الید إلی فوق عند هبوط حجر ثقیل» قالوا وقوف الجبل
مستبعد لیس بمحال.
قال الامام الرازی: هذا و إن كان بعیداً لكنه ممكن ساق البرهان الیه فوجب
التزامه.
أقول: و أیّ برهان اقتضی ذلك فإنّ البرهان قد اقتضی السكون بین حركة و
حركة اُخری حقیقیة لا حركة مجازیة؛ فإنّ الحركة بالعرض كحركة جالس السفینة
سكون بالذات فقد انتهت الحركة الاُولی بالسكون و لا استحالة فی كون الجسم ساكناً فی
بعض زمان لصوقه بشی ء یتحرك معه بالعرض و إن كانت إلی جهة حركته الطبیعیة
لوخلیت لبقاء القوة الغریبة معه بعد.
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 944
[1] . «آخذٌ» در المباحث المشرقیه غلط است. شاید در اصل «اُخذ» بوده كه در این صورت «مأخوذ» هم درست است.
[2] . این عبارت غلط است. عبارت صحیح در المباحث المشرقیه آمده است و چنین است: «. . . حتی یكون فیه قوة علی البیاض لكن لا علی البیاض الحاصل، بل علی بیاض آخر منتظر الوجود بالقوة» .