و المذكور فیه وجهان.
الأول أنّ كلَّ ممكن فإنه لذاته یستحق العدم و من غیره یستحق الوجود، و ما بالذات
أقدم مما بالغیر، فالعدم فی حقه أقدم من الوجود تقدماً بالذات فیكون محدثاً حدوثاً
ذاتیاً.
و یرد علیه أنه لایجوز أن یقال: الممكن یستحق العدم من ذاته، فإنه لو استحق
العدم لذاته لكان ممتنع الوجود لاممكن الوجود بل الممكن ما لایصدق علیه أنه من
حیث هو هو موجود و لایصدق علیه أنه من حیث هو هو لیس بموجود. و الفرق بین
الاعتبارین ثابت بل كما أنّ الممكن یستحق الوجود من علته فإنه یستحق العدم أیضاً
من عدم علته، فإذا كان استحقاقه الوجود و العدم كلیهما من الغیر و لم یكن واحد منهما
من مقتضیات الماهیة لم یكن لأحدهما تقدم علی الآخر فإذن لایكون لعدمه تقدم ذاتی
علی وجوده.
و لك أن تقول فی الجواب: إنّ المراد من الحجة المذكورة أنّ الممكن یستحق من
ذاته لااستحقاقیة الوجود و العدم و هذه اللااستحقاقیة وصف عدمی ثابت فی ذاته من
حیث ذاته سابق علی اعتبار الوجود إذا كان المنظور إلیه حال الماهیة عند أخذها مجردة
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 974
عن الوجود و العدم أی مغایرة للوجود.
قال محقق مقاصد الإشارات فی شرحه لقول الشیخ «كل موجود عن غیره
یستحق العدم لو انفرد أو لایكون له وجود لو انفرد» : إنَّ الماهیة المجردة عن الاعتبارات
لاثبوت لها فی الخارج فهی و إن كانت باعتبار العقل لایخلو من أن تعتبر إما مع وجود
الغیر أو مع عدمه أو لاتعتبر مع أحدهما، لكنها إذا قیست إلی الخارج لم یكن بین
القسمین الأخیرین فرق لأنها إن لم تكن مع وجود الغیر لم تكن أصلا، فإذاً انفرادها هو
لاكونها و هذا معنی استحقاق العدم، و أما باعتبار العقل فإنفرادها یقتضی تجریدها عن
الوجود و العدم معاً و لفظة «لایكون له وجود» فی قول الشیخ «أو لایكون له وجود لو
انفرد» لیست بمعنی العدول حتی یكون معناه أنه ثبت له أن لایكون له الوجود، بل هی
بمعنی السلب فإنَّ الفعل لایعطف علی الإسم انتهی.
و اعلم أنّك بعد الاحاطة بما سبق منا فی كیفیة اتصاف الماهیة بالوجود و تصحیح
قاعدة الفرعیة هناك بوجه لطیف، سهل علیك فهم معنی الحدوث الذاتی و تقدم
الماهیة علی وجوده، إذ مناط صحة تقدم الشی ء علی شی ء بضرب من الحصول الثابت
للمتقدم حیث لم یكن للمتأخر. فالحدوث الذاتی إذا كان عبارة عن تقدم الماهیة علی
وجودها فلا محالة لابد أن یعتبر للماهیة حال وجودی سابق لها علی حال وجودها، و
كل اعتبار أو حیثیة سواءٌ كان وجودیاً أو عدمیاً إذا اعتبر معها كان یلزم من اعتباره
معها اعتبار ضرب من الوجود، فكیف یقال إنها متقدمة علی ثبوتها لیثبت الحدوث
الذاتی هناك.
لكن بقی شی ء واحد هو الذی أشرنا إلیه و هو أنّ للعقل أن یجرّد الماهیة عن
وجودها و عن كافة الوجودات ثم یصفها بوجودها الخاص فلها تقدم علی الوجود
مطلقا من حیث التجرید المذكور، لكن ذلك التجرّد الذاتی و الانفراد الذاتی لها عن
الوجودات كلّها ضرب من الوجود المطلق أیضاً فیصدق علیه العدم من حیث یصدق
علیه الوجود بلا اختلاف حیثیة، كمثال فعلیة القوة فی الهیولی فمن جهة كونها معدومة
بهذا الاعتبار متأخر عنها مطلق الوجود، و من حیث إنّ لها فی هذا الاعتبار لابهذا
الاعتبار وجود فهی متصفة بالتقدم علی الوجود بالوجود.
و أمّا الوجه الثانی فقد ذكروا إنّ كل ممكن الوجود فإنَّ ماهیته مغایرة لوجوده و
كل ما كان كذلك امتنع أن یكون وجوده من ماهیته و إلّالكانت الماهیة موجودة قبل
كونها موجودة، فإذن لابد و أن یكون وجوده مستفاداً من غیره، و كل ما وجوده
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 975
مستفاد من غیره كان وجوده مسبوقاً بغیره بالذات، و كل ما كان كذلك كان محدثاً
بالذات. و بهذا یعلم أنّ القدیم بالذات لاماهیة له، و شكوك الإمام الرازی قد علمت
اندفاعها.
لكنَّ هذان الوجهان لایجریان فی نفس الوجودات المجعولة التی هی بذاتها آثار
الواجب تعالی، و قد أشرنا إلی أنّ لها ضرباً آخر من التأخر فلها ضرب آخر من
الحدوث و هو الفقر الذاتی أعنی كون الشی ء متعلق الذات بجاعله، و بعبارة اُخری كون
الموجود بما هو موجود منقوماً بغیره و الماهیة لاتعلق لها من حیث هی هی بجاعل، و
لیست هی أیضاً بما هی هی موجودة فلا حدوث لها بهذا المعنی و لاقدم و لاقدیم بهذا
المعنی أیضاً إلّاالواجب. و لابأس بأن یصطلح فی القدیم و الحادث علی هذا المعنی و إن
لم یشتهر من القوم.
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 976