أصح المذاهب فیه أن یكون ذلك هو الطبیعة التی فی المقسور بسبب تغیرها الحاصل لها
بفعل القاسر و إعداده. و أما الذی دل علیه ظاهر كلام الشیخ من أنّ المبدأ هو المیل
المستفاد من المحرك الخارج، ففیه أنّ نفس المدافعة لایكفی فی الحركة القسریة؛ أما التی
حصلت من القاسر فغیر باقیة، و أما التی تحصل شیئاً فشیئاً من الطبیعة فیرجع إلی أنّ
المبدأ هی الطبیعة. فالطبیعة فی إعطاء المیول القسریة الغیر الملائمة كالطبیعة فی إعطاء
المیول الطبیعیة الملائمة، و هذا كالمرض و الحرارة الغریبة التی یفیدها طبیعة المریض
لخروجها عن مجراها الأصلی حتی یعود إلی حال الصحة فیفید ما كان ملائماً لها، و
كالشكل المضرّس فیفیده الطبیعة الأرضیة لخروجها بالقسر عمّا اقتضتها من الاستدارة
إلّا أنها لاتعود إلیها لوجود الیبوسة الطبیعیة التی شأنها حفظ الشكل مطلقاً، فلا مناقاة
كما بیّن فی موضعه. و لهذا ذكر الشیخ لولا مصادمات الهواء المخروق حتی یضعف المیل
[1] لا یعود المرمیّ إلّابعد مصاكة سطح الفلك.
أقول: و فی كلامه إشكال و هو أنّ مصادمات الهواء المخروق كیف لاتوهن المیل
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 952
الطبیعی حتی یخلّیه أن یشتد أخیراً و توهن المیل القسری.
و یمكن أن یقال: إنّ المصادمات مع الخروج عن الحیّز الطبیعی تفعل هذا الفعل و
الازدیاد فی الخروج شیئاً فشیئاً یوجب الازدیاد فی الوهن حتی یفنی القوة بالكلیة و
یحدث القوة الأصلیة.
لكن لایتم تحقیق هذا المقام و كشفه إلّابالرجوع إلی بعض اُصولنا المشرقیة و هو
أنّ الصورة المقسورة تتحول فی جوهرها و ذاتها إلی صورة غیر الصورة التی كانت؛
فالحدیدة المذابة مثلا فیها الصورة المسخّنة النّاریة مجتمعة مع حدیدیتها و الحجر المرمی
إلی فوق فیه الصورة الموجبة للخفة و اجتمعت مع حجریتها و أنه یجوز أن یجتمع فی
وجود واحد صوری، كثیر من المعانی الذاتیة المتفرقة فی الموجودات المتبائنة. و بذلك
الأصل یندفع ما قیل: القوة المحركة إلی فوق صورة النار فلو وجدت فی الحجر لكانت
عرضاً فی الجوهر و قد كانت جوهراً.
و المذاهب الممكنة فی علّة هذه الحركة أربعة: لأنّ هذه العلة إما أن تكون موجودة
فی المقسور أم فی الخارج عنه. و علی الأول إما أن تكون باقیة إلی آخر الحركة أم لا. فإن
لم تكن باقیة فهو القول بالتولید؛ أی كل حركة تولّد حركة اُخری. و إن كانت باقیة فهو
الذی یقال إنّ القاسر أفاد الجسم قوة بها یتحرك. و أما القسم الثانی من التقسیم الأول
فالعلة لا محالة جسم، فإما علی سبیل الجذب أو علی سبیل الدفع. الثانی قول من یقول
الهواء المتقدم ینعطف إلی الخلف فیدفع المرمی بقوة. و الأول قول من یقول القاسر یدفع
الهواء و المرمی جمیعاً لكنّ الهواء ألطف فیدفع أسرع فیجذب معه الجسم الموضوع فیه.
و المذهبان الأخیران باطلان؛ لأنّ الجذب و الدفع إن لم یكونا باقیین إلی آخر
الحركة احتیجت الحركة إلی علة غیرهما و الكلام عائد فیها، و إن بقیا فالكلام فی
احتیاجهما إلی العلة.
و أما مذهب التولید فهو أیضاً باطل؛ إذ یلزم وجود المعلول عند عدم علّته و تأثیر
العلة عند فقدانها. و لما بطلت هذه المذاهب السخیفة بقی الواحد حقاً لكن یحتاج تحقیقه
إلی النظر العمیق.
أما أقسام الحركات القسریة فقد تكون فی الأین إما خارجاً عن الطبع بالكلیة،
كالحجر المرمی إلی فوق، أو لا بالكلیة كجرّ الحجر علی وجه الأرض، و أما الحمل فهو
بالعرضیة أشبه. و أما الوضعی فالتدویر القسری مركب من جذب و دفع. و قد یكون
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 953
بسبب تعارض الحركتین كما فی السبیكة
[2] المذابة فعرض من تصعید الجزء المستقر
[3] بالإغلاء و هبوطه بعد علوّه بطبعه مشتداً عند مقارنة المستقر، لأنه إذا حدث هذا المیل
قاوم مقتضی التسخین و مال إلی أسفل و نحی مستقره العارض له من التصعید مثل ما
عرض فحدثت حركة مستدیرة لا علی المستقر بل ما بین العلوّ و المستقر. و أما
الدحرجة فربما حدثت عن سببین خارجین و ربما كانت عن میل طبیعی مع دفع أو
جذب كالكرة تدحرجت عن فوق الجبل. و أما الكمیة ففی الزیادة مثل الأورام و
كالتخلخل فی هواء
[4] القارورة إذا مصّت مصّاً شدیداً و فی النقصان كالذبول الذی بالمرض لا الذی سببه الشیخوخة، فإنه بالقیاس إلی طبیعة الكل حركة طبیعیة و
بالقیاس إلی طبیعة البدن الجزئی قسریة. و أما الكیفیة ففی الحسیات مثل الماء إذا
تسخن، و فی الحال و الملكة كالأمراض، و فی سائر النفسانیات كازدیاد الكفر و
الجهالات و اشتداد البخل و اكتساب سائر الرذائل علی التدریج، فإنها خارجة عن
مقتضی طباع الفطرة الإنسانیة.
و أمّا الأكوان فلما كانت عندنا بالحركة الجوهریة فهی قد تكون طبیعیة و قد تكون
قسریة. فالطبیعیة منها كحصول الجنین من النطفة و النبات من البذر. و أما القسریة
فكإحداث النار بالقدح و كأفعال أهل الإكسیر من جعل النحاس ذهباً و القلع فضة، و
الفساد أیضاً قد یكون طبیعیاً كموت الهرمی من الحیوان و جفاف الأشجار لمرور
الأزمنة، و قد یكون قسریاً كالموت بالقتل أو السم أو غیره و كقطع الشجر.
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 954
[1] . عبارت «و إلّا» كه در بعضی نسخه ها آمده، زائد است.
[2] . «السكة» كه در بعضی نسخه ها آمده، غلط است.
[3] . «المستقل» كه در بعضی نسخه ها آمده، غلط است.
[4] . «ماء القارورة» كه در بعضی نسخه ها آمده، غلط است.