فی أن أقدم الحركات الواقعة فی مقولة عرضیة و أدومها.

هی الوضعیة المستدیرة و هی ایضاً اتمها و اشرفها.

أما أنها أقدم الحركات فلأنّ الحركة فی الكم مثل النموّ و الذبول [1]یفتقر إلی حركات مكانیة [2]إذ لابد للنامی و الذابل من وارد یتحرك الیه أو خارج [3]یتحرّك منه، و هی و الوضعیة تستغنیان عن الكمیة [4]، و التخلخل و التكاثف أیضاً لا یخلو عن حركة كیفیة [5]و هی الاستحالة بتحلیل [6]مسخّن أو تجمید مبرّد و الاستحالة لا تكون.

دائمة [7]فلا بد لها من علة محیلة حادثة مثل نار تحیل الماء بأن تقرب منه أو یقرب هو منها بعد أن لم یكن [8]، فالحركة المكانیة أقدم من الكمیة و الكیفیة، لكنَّ المكانیة [9]إما مستقیمة أو منعطفة [10]أو راجعة [11]، و المستقیمات لاتدوم علی اتصالها [12]لتناهی الأبعاد المكانیة كلّها، و الأخیرتان [13]غیرمتصلتین لتخلل السكون بین كل حركتین متخالفتین جهة، و السكون لا یكون إلاّفی الزمان [14]لأنه قوة الحركات كما مرَّ- و قوة الشی ء لابد أن تكون متقدمة علیه زماناً [15]- و الزمان یفتقر إلی حركة حافظة له و هو لاینحفظ بحركة متصرمة [16]بل بمایقبل الدوام التجدّدی الاتصالی، و الّتی تقبل هذا.

الدوام هی المستدیرة الّتی یجوز اتصالها دائماً، فهی غنیة عن سائر الحركات العرضیة و هی لاتستغنی عن المستدیرة فهی أقدم الحركات.

و أمّا أنّ المستدیرة أدومها فلما مر أنّ غیرها منقطعة [17]إلی سكون لأنه عدمها و هو لكونه عدماً خاصاً یصحبه قوة أو ملكة مفتقرتین إلی قابل زمانی متجدد الوجود یحتاج إلی زمان بعد زمان الحركة الّتی هو یقابلها، و قد علم أنّ حافظ الزمان هو المستدیرة فی المشهور [18].

و أمّا أنها أتمها فلأنها فی نفسها لایحتمل الزیادة فی الكمیة [19]كباقی الحركات و لا الاشتداد و لا التضعف فی السرعة و البطؤ لما ستعلم فی مباحث الأفلاك [20]، و لأنّ فاعلها و غایتها لیس أمراً محسوساً بل أمر عقلی غیر متفاوت فی القرب إلیه و البعد عنه لكونه خارجاً عن هذا العالم كما یتفاوت غایة الحركات الطبیعیة الأینیة و تشتد.

حركتها [21]أخیراً كلّما قرب المتحرك من الحیّز الطبیعی، و القسریة یضعف أخیراً كلّما بعد من القاسر و ذلك لأنّ الشی ء كلما هو أقرب من مبدء و أصله فهو أشد و أقوی و كلما بعد منه فهو أضعف و أوهن.

و أمّا أنها أشرف منها فلأنها تامة و التام أشرف من الناقص، فالدوریة أشرف من سائر الحركات. فحینئذ قد ظهر [22]أنّ الجرم المتحرك بالاستدارة وجب أن یكون أقدم الأجرام و أتمها و أشرفها طبیعة إذ شرف الفعل و تمامه و دوامه، یستدعی شرف الفاعل و تمامه و دوامه فبقوته الممسكة له تحدّد جهات الحركات الطبیعیة الأینیة المستقیمة و جهات الأبعاد المكانیة كما سیجی ء موعد بیانه فی مباحث الجهات و مباحث الفلكیات [23]إن شاء اللّه تعالی.

---