فی تأكید القول بتجدد الجواهر الطبیعیة المقومة للاجرام.

السماویة و الارضیة.

و لعلك تقول هذا إحداث مذهب لم یقل به أحد من الحكماء، فإنّ الأمر الغیرالقارّ منحصر فی الزمان و الحركة [1]و اختلفوا فی أنّ أیهما غیرقار بالذات و الآخر كذلك.

بالعرض، فالجمهور [2]علی أنّ هذا صفة الزمان و الحركة تابعة له فی عدم قرار الذات، و ذهب صاحب الاشراق إلی العكس، و أما كون الطبیعة جوهراً غیرثابت الذات فلم یقل به أحد.

فاعلم أولاً أنّ المتّبع هو البرهان [3]و العاقل لایحید عن المشهور ما وجد عنه محیصاً [4].

و ثانیاً [5]إنّ كلامهم یحمل علی أنه مبنی علی الفرق بین حال الماهیة و حال الوجود فالحركة و الزمان أمر ماهیته ماهیة التجدد و الانقضاء، و الطبیعة إنما وجودها وجود التجدد و الانقضاء و لها ماهیة قارة [6].

و ثالثاً [7]إنّ الحركة عبارة عن خروج الشی ء من القوة إلی الفعل تدریجاً لا الشی ء الخارج عنها إلیه [8]، و هو معنی نسبی [9]و الامور النسبیة و الاضافیة تجددها.

و ثباتها كوجودها و عدمها [10]تابعان لتجدد ما نسب إلیه و ثباته فضلاً عن نفس النسبة [11]و الاضافة كمفهوم الانقضاء و التجدد [12]؛ فهاهنا ثلاثة أشیاء: تجدد شی ء [13]و شی ء به التجدد و شی ء متجدد، و الأول معنی الحركة [14]، و الثانی المقولة، و الثالث الموضوع [15]، و كذا خروج الشی ء من القوة أو حدوث الشی ء لادفعة معنا هما غیر معنی الخارج من القوة كذلك أو الحادث [16]و غیر الّذی به الخروج و الحدوث، و كما أنّ فی الأبیض أموراً ثلاثة: أبیضیة و هی معنی نسبیّ انتزاعی، و بیاض و شی ء ذو بیاض، فكذلك فیما نحن فیه. فالخروج التجددی من القوة إلی الفعل هو معنی الحركة.

و وجودها فی الذهن لكن بحسب الخارج [17]، و أما ما به الخروج منها إلیه أولاً فهی نفس الطبیعة [18]، و أما [19]الشی ء القابل للخروج فهی المادة، و أما المخرج فهو جوهر آخر ملكی أو فلكی [20]، و أما قدر الخروج فهو الزمان؛ فإنّ ماهیته مقدار التجدد و الانقضاء، و لیس وجوده وجود أمر مغایر للحركة علی قیاس الجسم التعلیمی بالنسبة إلی الجسم الطبیعی [21]كما سیجی ء من الفرق بینهما بالتعین الامتدادی و عدمه.

و أمّا رابعاً فقولك هذا إحداث مذهب لم یقل به حكیم كذب و ظلم؛ فأول حكیم قال فی كتابه العزیز هو اللّه سبحانه و هو أصدق الحكماء حیث قال «وَ تَرَی اَلْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِیَ تَمُرُّ مَرَّ اَلسَّحابِ» و قال «بَلْ هُمْ فِی لَبْسٍ [22]مِنْ خَلْقٍ جَدِیدٍ» و قوله.

اشارة إلی تبدل الطبیعة: «یَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَیْرَ اَلْأَرْضِ [23]» و قوله تعالی «فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ اِئْتِیا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ [24]» و قوله: «كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِینَ» و قوله «عَلی أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَ نُنْشِئَكُمْ فِی ما لا تَعْلَمُونَ [25]» و قوله «إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْكُمْ وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ [26]» و قوله «كُلٌّ إِلَیْنا راجِعُونَ» إلی غیر ذلك من الآیات المشیرة إلی ما ذكرناه.

و مما یشیر إلی تجدد الطبائع الجسمانیة قوله تعالی «وَ هُوَ اَلْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ یُرْسِلُ عَلَیْكُمْ حَفَظَةً حَتّی إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا یُفَرِّطُونَ [27]» . وجه.

الإشارة أنّ ما وجوده مشابك لعدمه و بقاؤه متضمن لدثوره یجب أن یكون أسباب حفظه و بقائه بعینها أسباب هلاكه و فنائه و لهذا كما أسند الحفظ إلی الرسل أسند التوفی [28]إلیهم بلاتفریط فی أحدهما و إفراط فی الأخری.

و فی كلمات الأوائل تصریحات و تنبیهات علیه. فلقد قال معلم الفلاسفة الیونانیة [29]فی كتابه المعروف بكتاب اثولوجیا معناه معرفة الربوبیة [30]: «إنه لا یمكن أن یكون جرم من الأجرام ثابتاً قائماً مبسوطاً كان أو مركباً إذا كانت القوة النفسانیة غیرموجودة فیه و ذلك أنّ من طبیعة الجرم السیلان و الفناء، فلو كان العالم كلّه جرماً لا نفس فیه و لا حیاة لبادت الأشیاء و هلكت» ، هذه عبارته، و هی ناصّة علی أنّ الطبیعة الجسمانیة عنده جوهر سیال [31]و أنّ الأجسام كلها بائدة زائلة فی ذاتها و الأرواح العقلیة باقیة كما أشرنا إلیه.

و قال فی موضع آخر منه: «إن كانت النفس جرماً من الأجرام أو من حیّز الأجسام [32](الأجرام خ ل) لكانت متقضیة سیالة لامحالة، لأنها تسیل سیلاناً تصیّر الأشیاء كلها إلی الهیولی فإذا ردّت الاشیاء كلها إلی الهیولی و لم یكن للهیولی صورة تصورها و هی علتها بطل الكون فبطل العالم إذا كان جرماً محضاً و هذا محال» [33] انتهی. و هذا أیضاً صریح فی تجدد الأجسام كلها، و فیه إشارة إلی ما مر سابقا من أنّ الهیولی شأنه العدم فكلما فاضت علیها صورة من المبدء انعدمت فیها ثم أقامها بایراد البدل [34].

و مما یدل علی ذلك رأی زینون الأكبر [35]و هو من أعاظم الفلاسفة الإلهیّین.

حیث قال: «إنّ الموجودات باقیة داثرة؛ أمّا بقائها فبتجدد صورها و أمّا دثورها فبدثور الصورة الأولی عند تجدد أخری» [36]، و ذكر «الدثور قد لزم الصورة و الهیولی [37]» . انتهی ما ذكره بنقل الشهرستانی فی كتاب الملل و النحل ، و سننقل أقوال [38]كثیر من أساطین الحكماء الدالة علی تجدد الأجسام و دثورها و زوالها فی مستأنف الكلام إن شاء اللّه تعالی، و لنا أیضاً رسالة معمولة فی حدوث العالم بجمیع ما فیه حدوثاً زمانیاً و من أراد الاطلاع علی ذلك فلیرجع إلی تلك الرسالة [39].

و ممّا یؤیّد [40]ما ذكرناه قول الشیخ العربیّ فی فصوص الحكم : «و من أعجب الأمر أنّ الإنسان فی الترقی دائماً و هو لایشعر بذلك للطافة الحجاب [41]و رقته و تشابه الصور [42]مثل قوله تعالی: «وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [43]» . و قال فی الفتوحات [44]: «فالموجود كلّه متحرك علی الدوام دنیاً و آخرة لأنّ التكوین لا یكون إلاّعن مكوّن فمن اللّه.

توجهات علی الدوام و كلمات لاتنفد» [45]، و قوله: «وَ ما عِنْدَ اَللّهِ باقٍ» إشارة إلی ما ذكرناه من بقاء كلمات اللّه تعالی العقلیة الباقیة ببقاء اللّه و دثور أصنامها الجسمانیة [46].

---