فی أن الفعل مقدم علی القوة.

إنّ الفصول الماضیة أوهمت أنّ القوة متقدمة علی الفعل مطلقاً [1]و هذا مذهب أكثر الناس و جلّهم حیث زعموا أنّ المادة قبل الصّورة و الجنس قبل الفصل، و لا نظام العالم قبل نظامه [2]، و ماهیة الممكن قبله وجوده و لیس الأمر كذلك.

و الشیخ حكی فی الشفاء مذاهب أقوام زعموا أنّ القوة قبل الفعل، و هم تفرقوا فی هذا فرقاً و تحزبوا أحزاباً [3].

فمنهم من جعل للهیولی وجوداً قبل الصورة ثمّ ألبسها الفاعل كسوة الصورة إمّا ابتداء أولداع دعاه إلیه كما ظنّه بعض عامة القدماء فقال: إنّ شیئاً كالنفس وقع له فلتة ان اشتغل بتدبیر الهیولی و تصویرها فلم یحسن التدبیر و التصویر فتداركها الباری فأحسن تصویرها [4].

و منهم من قال: إنّ هذه الأشیاء كانت فی الأزل تتحرك بطباعها حركة غیرمنتظمة فأعانها الباری طبیعتها فأخرجها من لا نظام إلی نظام.

و منهم من قال: إنّ القدیم هو الظلمة أو الهاویة [5]أو خلأ غیر متناه لم یزل ساكناً ثمّ حرّك.

و منهم من قال بالخلیط [6]الّذی یقول به انكساغورس و ذلك لأنهم قالوا إنّ القوة قبل الفعل كما فی البزور و النطف و فی جمیع ما یصنع.

فنقول: إنّ الحال فی الامور الجزئیة من الكائنات الفاسدة كالحال فی المنی و الإنسان من أنّ للقوة المخصوصة تقدماً علی الفعل بالزمان و التقدم بالزمان غیر معتدّ به، ثمّ القوة مطلقاً متأخرة عن الفعل بوجوه التقدم فإنها لاتقوم بذاتها بل یحتاج إلی جوهر تقوم به، و ذلك الجوهر یجب أن یكون بالفعل فانه ما لم یصر بالفعل لم یكن مستعدّاً لشی ء؛ فإنّ ما لیس موجوداً مطلقاً لیس ممكناً أن یقبل شیئاً. ثمّ إنّ فی الوجود أشیاء بالفعل لم یكن و لایكون بالقوة أصلا كالأول تعالی و العقول الفعالة [7]. ثمّ القوة تحتاج إلی فعل یخرجها إلی الفعل و لیس ذلك الفعل مما یحدث فإنه یحتاج إلی مخرج آخر [8]و ینتهی لا محالة إلی موجود بالفعل لیس بمحدث كما بیّن فی تناهی العلل [9]. و ایضاً فإنّ الفعل یتصوّر بذاته و القوة یحتاج تصوّرها إلی تصوّر.

الفعل [10]. و أیضاً فإنّ الفعل قبل القوة بالشرف و الكمال كیف و الفعل كمال و القوة نقص، و كلّ قوة علی فعل فذلك الفعل كمالها، و الخیر فی كلّ شی ء إنما هو مع الكون بالفعل و حیث یكون الشر فهناك ما بالقوة [11]، و الشی ء لایكون من كل وجه شرّاً و إلاّ لكان معدوماً، و كلّ شی ء من حیث هو موجود لیس بشر و إنما هو شر من حیث هو عدم كمال مثل الجهل أو لأنه یوجب فی غیره عدما كالظلم [12]؛ فالقوة لأنّ لها فی الخارج ضرباً من الكون یتقوم ماهیتها بالوجود إذ الوجود [13]كما علمت مقدم علی الماهیة تقدّماً بالحقیقة فالقوة بما هی قوة لها تحصّل بالفعل عقلا. فقد بان أنّ الفعل مقدم علی القوة تقدماً بالعلیة و بالطبع و بالشرف و بالزمان و بالحقیقة كما أومانا إلیه.

و هم و اندفاع فإن قلت: إنّ القوة فی بعض المواضع خیر من الفعل و الفعل شرّ من القوة فإنّ القوة علی الشر خیر من الفعل الّذی بإزائه و الكون بالفعل شرّ أشر [14]من الكون بالقوة شراً كما أن الكون بالفعل خیر أخیر [15]من الكون بالقوة خیراً إذ لایكون الشریر شریراً بقوة الشرّ فیه بل بملكة الشرّ. قلنا: صدقت ولكن هذا أمر عارض بالقیاس [16]فقوّة الشر بما هو قوة و القوة عدم مّا فهی شرّ كما أنّ الفعل الّذی بإزائها كالظلم و المرض و أشباههما من حیث هو بالفعل و الفعل وجود خیرٌ، لكنّ الفعل من حیث یؤدی إلی عدم مّا عرض له أنه شرٌّ فالقوة علی ذلك الفعل من جهة أنها عدم أمر یؤدی وجوده إلی عدم شی ء آخر كانت خیراً من فعله، حیث إنّ عدم العدم یلزمه وجود؛ فجهة الخیریة فی القوة علی الشر رجعت أیضاً إلی الفعل كما أنّ جهة الشریة.

فی فعل الشر رجعت إلی القوة.

---