فی تقسیم القوة المحركة و فی اثبات محرك عقلی [1].

إنّ من المحرك ما یحرك بالذات، و منه ما یحرك بالواسطة [2]كالنجار بواسطة القدوم، و منه ما یحرك علی سبیل المباشرة و أن یفید صفة الحركة، و منه ما یحرك لاعلی.

سبیل المباشرة [3]بل بأن یفید الذات المتحركة لا حركتها فقط كما ستعلم. و أیضاً منه [4] ما یحرك بأن یتحرك و منه ما یحرك لابأن یتحرك، كالمعشوق إذا حرَّك العاشق و المعلم إذا حرك المتعلّم، و لاستحالة وجود أجسام بلانهایة یستحیل أن یتحرك متحركات معاً إلی غیر نهایة، و بیان ذلك أمّا أولاً [5]فانّ المتحرك یجب أن یكون جسماً او مادیاً و یلزم لاتناهی الأجسام، و أمّا ثانیاً فلأنّ العلل یجب أن تتناهی و ذلك لأنّه إن كان متحرك أخیر و یحركه محرك و هو أیضاً متحرك، فمحال أن یتحرك إلاّبعد أن یحركه محرك آخر، فالمتوسط من هذه الثلاثة له نسبتان و له من بینها هذه الخاصیة، و هو أنّه یحرك و یتحرك و سواءٌ كانت هذه الواسطة واحدة أو كثیرة متناهیة أو غیر متناهیة فإنّه لا یصح الحركة مادام حكمها حكم الواسطة فیجب أن ینتهی إلی محرك لایكون حكمه حكم الواسطة، و هذا مخرج الامور من القوّة إلی الفعل و الموجد ینتهی إلی أمر بالفعل فیجب أن یكون أمراً بالفعل و موجوداً بذاته، فالمحرك [6]الذی لا یتحرك إمّا أن یحرك بأن یعطی للجسم المتحرك المبدء القریب الّذی به یتحرك أو یحرك علی أنّه غایة یتم بها [7]و خیر یتوجه إلیه و معشوق، و معلوم أنّ كل قوة فی جسم یحرك فإنّها تتحرّك أیضاً بالعرض [8]فالمحرك الّذی لایتحرك لا یصلح أن تكون قوة جسمانیة، و قد علمت [9]إثبات أنّ كل جسم یفعل فعلا خاصاً أو حركة مخصوصة لیس بعرض و لا باتّفاق أو قسر فإنّه بقوّة زائدة علی الجسمیة، فهی.

إمّا طبع أو أرادة نفسانیة [10]متعلّقة، و علی التقدیرین لابد أن یكون لتلك القوة تعلق بالجسم و لا تكون مفارقة عنه بالكلّیة [11]، فان الفعل الخاص إذا صدر عن فاعل مفارق بالكلّیة غیرمخالط للأجسام وجب أن یكون المفارق یطلب بالحركة أمراً لیس له، و هذا باطل كما علمت؛ فإذن إن كان مفارق مشاركاً له فی التحریك فإنّه یحرك علی أحد الوجهین المذكورین لا غیر كالحال فی الحركات الفلكیة.

---